31 408
订阅者
+524 小时
+917 天
+22330 天
帖子存档
من شمائل المروءة وسؤدد النفس 🌿
ما يزال النُّبل تاج النفوس العظيمة، وسمة الأرواح الكريمة، وعنوان النفَس الذي ترقى عن غبار الأرض، وسما إلى فضاء الحلم والعفو.
ومن أماراته الجليلة، ودلائله الساطعة، أن يُعرض المرء عن الانتصار لنفسه حين يقدر، ويترفّع عن تصفية الحساب، ويغضّ الطرف عن الزلل، ويمدّ اليد بالإحسان إلى من أساء، إذا وضعه الله في مقام من تُخشى سطوته، ويُرجى وصاله.
فما رأيت في الناس شيئًا أدلّ على نبل النفس ونزاهة الطبع من ذاك الذي إذا قَدِر عفا، وإذا تَمكّن صفح، وإذا أُعطي سُلطان اليد لم يمدّه إلى الانتقام، بل جذب يده إلى صدره، كما تجذب النفس الكبيرة أهواءها إلى موطن النبل فيها، فأولئك الكرام إذا مُلّكوا رقاب خصومهم، ملكوا معها نزعات نفوسهم، فهم لا ينتصرون لأنفسهم، بل ينتصرون عليها!
فأما صغير النفس، فيهتبل الفرصة إذا أقبلت، ويراها وقتًا للانتقام، وميدانًا لتصفية الأحقاد، والتشفي ممن ناصبه الخلاف.
وأما الكبير الرفيع، فما وجد فرصة كهذه إلا ورأى فيها اختبارًا لنُبله، وميدانًا لحلمه، ومقامًا للعفو والإكرام.
وقد نقل ابن مفلح في “الآداب الشرعية” عن سعيد بن العاص ـ وكان بينه وبين قوم من أهل المدينة خلاف ـ أنه لمّا ولاه معاوية أمر المدينة، أعرض عن المنازعة، فقيل له: هلا انتصرت وقد قَدِرت؟ فقال كلمته التي تكتب بماء الذهب: " لا أنتصر لنفسي وأنا والٍ عليهم". فعلّق ابن عقيل على ذلك في “الفنون” بقوله: “هذه والله مكارم الأخلاق!” الأداب الشرعية( ٢/٢٠٨).
ويكأنه قُدّ هذا القول من نفس كانت إذا نظرت في الناس، رأتهم في رحمة لا في قصاص، وفي حلم لا في سيف! وهكذا يكون الرجال.
إن أهل النفوس الكبيرة يتلذذون بالعفو كما يتلذذ غيرهم بالانتقام، ويفرحون بالإحسان كما يفرح غيرهم بالشماتة، ولله در ابن القيم إذ قال: " وفي الصفح والعفو والحِلم من الحلاوة والطمأنينة، والسكينة وشرف النفس ورفعتها عن تشفّيها بالانتقام، ما ليس في المقابلة والقصاص شيء منه". مدراج السالكين ( ٣/٥٢).
ومن تأمل في الناس علم أن المنتصر لنفسه لا ينتصر إلا قليلاً، ثم يعقبه الندم كثيرًا، فكم من قلب احترق بعد أن انتصر لنفسه، وكم من عينٍ لم تعرف النوم بعد أن شفت غليلها! وقد قالها ابن القيم أيضًا:" فما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة" مدارج السالكين ( ٣/٥١).
أجل، إنها ساعة اختبار، أن تدور لك الدائرة، وتُنصب لك الراية، وتُعطى مقاليد القدرة، ثم لا تظلم ولا تنتقم ولا تُحاسب من خاصمك أو ظلمك، بل تعفو وتصفح وتكرم! وما أصدق قول ذلك الأعرابي الحكيم:
“أقبح أفعال المقتدرين: الانتقام.”
ومن أقال عثرة الناس، أقال الله عثرته، ومن ستر ذنبًا، ستر الله ذنبه، ومن عفا وهو يقدر، ألبسه الله تاج الهيبة، وأجرى على لسان الناس ذكره الجميل. قال ابن تيمية: "ما انتقم أحد قَطُّ لنفسه إلاّ أورثَه ذلك ذُلاًّ يجده في نفسه، فإذا عَفا أعزَّه الله تعالى" جامع المسائل ( ١/١٧٠).
نعم، هكذا الكبار، إذا آذاهم الصغار، نظروا إليهم كما ينظر الجبل إلى الرياح، تمرّ به وتصيح حوله، ثم لا يُحرّك منها ساكنًا، ولا يُرجّ لها جانبًا.
فإذا صارت الدنيا إليك، وقدرت على من عاداك، فلا تفرح بالقدرة، بل اجعلها امتحانًا لنفسك: أأنت ممن تملكه القوة، أم ممن يملكونها؟
تالله، ما يُلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم، ولا ينالها إلا من سمت نفسه عن حضيض الطبع، وارتفعت إلى ذُرى الفضل والخلق.
فيا أيها النبيل، إذا استطعت أن تُحسن في موضع الأذى، فافعل، فإن الجود يُفقِر، نعم، لكن المروءة تغني، والإقدام قتال، نعم، ولكن الحِلم يُحيي. و في نبل النفس رفعةً لا ترفعها المناصب، وإن في عفو القادر نصرًا لا تبلغه السيوف.
Repost from TgId: 2090867266
◉ غزّة… الوجعُ الذي لا يسكت!
الوضع في غزة مُفجع ومبكي، جوعٌ، وعطش، ودمار، وأحوال تُبكي الحجر، فكيف بالقلوب الحيّة والله المستعان!
ارفع الحرج عن نفسك، فلا تنسَهم من الدعاء يوميًا في سجودك وخلواتك ومناجاتك.
اللهم فَرّج كربتهم، ويسر أمرهم، وكن لهم عونًا ونصيرًا، ومؤيدًا وظهيرًا.
Repost from TgId: 1072316200
🔴 إنا لله وإنا إليه راجعون
#مجاعة_في_غزة #كارثة_غزة
🤲 اللهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف.
🤲 اللهم احفظهم بحفظك، واكلأهم برعايتك، واحرسهم بعينك التي لاتنام.
🤲 اللهم فرِّج كربتهم، ويسِّر أمورهم كلها، ونجهم من القوم الظالمين.
🤲 يا رحمن يارحيم استودعناك إخواننا المستضعفين في غزة، فارحمهم والطف بهم، أنت حسبهم ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
حسبنا الله وكفى بالله حسيبا، وكفى بالله ولياً، وكفى بالله نصيراً.
٢٥/ ١/ ١٤٤٧هـ
#قناة_إبراهيم_المديهش_العلمية
https://t.me/ibrahim_almdehesh
♦️حساب القناة في تويتر
@ibrah_almdehesh
السعادة الخفيّة ومجدُ الاستقامة: "حين يشرق النبل من داخل النفس" ✨🌧️
إذا أقبلتَ على الحياة بعين طامحة، وقلب يتوق إلى المعالي، فاجعل أول ما تهمس به إلى روحك: أن أقصر الطرق إلى المجد، هو طريق الاستقامة، لا سواها.
فالاستقامة يا صاحبي ليست قيدًا تكبّل به حريتك، ولا سورًا يحجب عنك النعيم، بل هي النور الذي يهديك في متاهات الحياة، والسُّلَّم الذي يرفعك إلى المقامات الكريمة، وعلى رأسها التقوى، والنزاهة وشرف الضمير، وعفّة اليد، وطهارة القلب.
وعليك يا صاحبي أن لا تدخل في هذه الدنيا إلا كما يدخل المسافر مَحَطَّة طريق، لا ليقيم، بل ليأخذ الزاد ويمضي، فمن فهِم الحياة على هذا الوجه، صغُر في عينه ما يَكبُر في أعين الناس، وعَظُم في قلبه ما لا يشعرون به.
أجل، إن الناس في هذه الحياة يبحثون عن النجاح، ويركضون له، ويتقاتلون عليه، ولكن ما أكثر الذين ضلوا السبيل، وهم يظنّون أنهم يحسنون صنعًا؛ لأنهم أرادوا المجد في مظاهره، لا في حقيقته.
فلا تغترَّ بمن علا في الناس وهو عند الله هابط، ولا تعجب بمن جمع المال؛ و قد أفلس من المروءة، وأفسد ليصل، وتزلف لينال، ولا تمدّن عينيك إلى من صعد على أكتاف غيره، فإنه ما صعد إلا على جنازته هو!
فإنّ وراء كثير من الأبواب اللامعة قلوبًا خاوية، وضمائر ميتة، وسرائر سوداء يكاد يُغشى عليها من شدة الظمأ.
النجاح، يا صاحبي، هو الاستقامة بمفهومها الشامل، وهي: أن يكون لك قلب لا يخون، وضمير لا يتكسب، ويد لا تمتد إلى الحرام ولو جاعت، ونَفْس تأبى أن تُذلّ ولو عُلِّقَتْ في السماء مصلوبة.
واحذر من مسلك أولئك الذين تاجروا بضمائرهم، وراهنوا على قيمهم في بورصة الكسب الرخيص، فإنهم عمّا قليل سيخصفون على أنفسهم أوراق الخيبة والندم، ويلتحفون بالخسران، وإن ظنّوا أنهم ربحوا!
وكم من شخص جعل ذمّته عملة حسابية وسوقًا يبيع فيها دينه، ومروءته رأس مال يساوم عليه، يرضى بالمهانة إن جاءت له بدرهم، ويستبدل الشرف بكسرة خبز إن طُليت بالذهب.
ولكن قلّ لي بربك، أيّ لذة ستبقى لهؤلاء؟
وإن أردت لذة، ليست في أطباق الذهب ولا في سُرُج الحرير، وإنما لذة تأنس بها الأرواح وتزكو بها النفوس، فاقرأ ما كتبه ابن الجوزي في كلمته التي كأنها مشكاة فيها مصباح لمن أراد اللذة الحقيقية: قال رحمه الله: "غفل طلاب الدنيا عن اللذة فيها، وما اللذة فيها إلا شرف العلم، وزهرة العفة، وأنفة الحميّة، وعز القناعة، وحلاوة الإفضال على الخلق".
هكذا يتلذذ الشرفاء، لا في الجيوب المليئة، بل في النفوس الممتلئة بالنبل والشرف، ولا في القصور، بل في ضمير لا يبيت فيه الذلّ ولا الهوان. تلك هي السعادة الخفية، التي لا تُعلن في الصحف، ولا تُزَفّ في المواكب، لكنها تبني في القلب عرشها، وفي الضمير مملكتها، وفي الروح شمسها التي لا تغيب.
فالدنيا - وإن زخرفت مظاهرها - خدّاعة الألوان، مراوغة الوعود، زائفة البريق. وأهل البصيرة هم من أُرخي لهم شيءٌ من ستور الغيب، فعاينوا وجه الحقيقة في صمت، واستشعروا لذة الخفاء في زمن الضجيج.
وما أصدق ما قاله الأديب أحمد أمين بقلمه المبلل بالحكمة: "وأسعد الناس من وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها، فلا يعلو على غيره من طريق التزلف وأذية الآخرين، ونظر إلى المال على أنه من أسباب السعادة لا السعادة كلها، وحرص على طلبه من طريق العزة والشرف، فإذا تعارضا ضحّى بالمال من أجل الفضيلة".
أجل، إن النجاح بلا ضمير قفزة في فراغ، والثروة بلا كرامة تَرِكةٌ من العار، والسعادة الموهومة لا تلبث أن تنقلب همًّا غليظًا إن لم تُدعّم بعزّة النفس.
فمن أراد توازنًا في مسيرته، وبعدًا في نظره، فليوقن أنه راحل، وأنه إلى ربه المنتهى، وأن الدنيا لا تساوي لحظة وقوف بين يدي الجبّار، حيث لا مال، ولا مجد، ولا ألقاب، ولا تزلف ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ وليحمل بين جنبيه يقينًا بلقاء الله، وتأملاً في فراق هذه الدنيا، وفي سفره إلى الدار التي لا تزول.
هناك فقط يُوزن النجاح بميزانه الحق، وهناك تُكشف الأقنعة، وتزول الرتوش، ويتميز من صدق ومن نافق، ومن ربح بصدق، ومن خسر بتزلف.
فاجعل هذا المعنى في قلبك، فإنه يخلع عنك زيف المظاهر، ويلبس روحك جلال الحقيقة.
ولا تجعل لهاثك خلف الأمجاد الموهومة، يحجب عنك السعادة التي لا تُرى بالعين، ولكن تُبصر بالبصيرة،
فيا طالب المجد، لا تجعل اللهث خلف الأمجاد المزيفة يحجب عنك السعادة الخفية، فهناك أملاك لا تُشترى، ولا تُباع، ولا تُقايض: وهي شرف الضمير، وراحة القلب، وحسن الصلة بالله، والسكينة والرضا الداخلي.
Repost from TgId: 1517760621
من أحسن ما رأيت في تعليم الطلاب الجامعيين البحث الأكاديمي، اختصارًا ووضوحًا.
ولو أن أستاذ قاعة البحث كلف كل طالب بطباعة الملف والمشي على ضوئه لاستفاد الطالب كثيرًا.
خصوصًا مع كون كثير من الكتب في البحث العلمي طويلة وأكثر ما فيها فوق مستوى الطالب ولا يحتاجه غالبًا.
د. إبراهيم بن ممدوح الشمري
كيف_تكتب_بحثًا_جامعيًا_مميزًا؟.pdf6.04 KB
显示全部...
◉ الأنفاسُ جواهر 🌿
مات رجلٌ منذ زمنٍ قريب، وكان ممن سخَّر عمره لقضيةٍ هامشية لا يُتقرَّب بها إلى الله، ولا يُدَّخر بها زادًا للقبر، ولا يُجتنى منها ربح للآخرة، وكان قد أنفق فيها روحه وهمّه، وأفنى لأجلها أيامه ولياليه، حتى جاءه الموت على حين غفلة، ووُضع في قبره، وطُويت صحيفته، وأسلمته الحياة إلى داره الحقيقية الأبدية.
فإذا بأولئك الذين كانوا من حوله، يصفِّقون لقوله، ويطربون لتحليلاته، ويتسابقون إلى سماع نقده وتعقيبه قد أعرضوا عن كل ذلك، فلا يفتِّشون في آثاره عن شيءٍ مما كان يملأ به الدنيا ضجيجًا، وطفِقوا على غير عادتهم يُنقِّبون في حساباته التواصلية، يتقصّون فيها أثرَ آيةٍ كريمة نشرها، أو ذكرًا من أذكار النبوة بثّه، أو حديثًا يُشعُّ فيه نور الوحي دلّ عليه، علّهم يعثرون على ما ينفعه في آخرته ليعيدوا نشره بعد موته، إنهم يُفتّشون عن ذرةٍ من نور تُوقد له في قبره، ويكأنهم شعروا أن كل ما كان يشغلهم به، لا يُثقِّل له ميزانًا، ولا يزيد من حسناته، ولا يُنجِّيه يوم العرض الأكبر.
ولكأنّما فُطر الإنسان على أن يعرف في ساعة الموت ما ينفع وما لا ينفع، وما يثقل به الميزان وما لا يُساوي عند الله جناح بعوضة، وما يبقى وما يفنى…
فقل لي بربك: أين ذهبت تحليلاته، وتعليقاته، وأحاديثه الصاخبة؟
أين ضاع صوته الذي كان يملأ الأفق؟
كلها ذهبت، وبقي في قبره، لا ينفعه إلا ما كان من عمل صالح وقُربات وطاعات
نعم، إنّ في موت هذا وأمثاله عبرة لمن كان له قلبٌ ينبض باليقظة، أو ألقى السمع وهو شهيد.
فخذ ـ أيها الأخ المبارك ـ من هذا المآل عظة، ومن ذلك المصير زادًا، واستبقِ عمرك لما ينفعك إذا أُغلقت صحائف الدنيا، وبدأت فصول الآخرة، فما العمر إلا أنفاسٌ معدودة، ما أسرع انقضاءها، وما أعجل انتزاعها! وكلُّ نفَسٍ فيه درة ثمينة، إن لم تُنفقها في طاعة، ضاعت كما يضيع الذهب في التراب.
والنفسُ لا تزال تُمنّي وتُسوِّف، حتى إذا جاءها الموتُ من حيث لا تحتسب، قيل لها: هذا ما قدمتِ، فانظري: أيسركِ، أم يسوؤك؟!
ألا فلنقف لحظةً مع أنفسنا، ونتبصّر فيما نفني أعمارنا؟ وفيما نستهلك ليالينا؟
وفي أي سوقٍ نبيع هذه الأنفاس الغالية؟ أفي سوق الله أم في سوق الناس؟
وإذا وُضع الإنسان في قبره وانفضَّ الخلق من حوله، وبقي بين أطباق الثرى، فما الذي يتمناه حينها؟
مزيدًا من الجدل والنقاش؟ أم ركعتين خاشعة؟
صوتًا يعلو في جدل؟ أم تسبيحة؟
مجلسًا تغمره الغفلة؟ أم تلاوة بضع آيات؟
رحم الله ابن الجوزي حين قال: " ما أطلع الله على شرف العمر إلا من وفقه لاغتنامه، وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم".
وقال أيضًا: “من علم أن العمر بضاعة يسيرة يُسافر بها إلى البقاء الدائم في الجنة، لم يضيّعه".
إن هذه الأنفاس التي تخرج وتعود، ولا نملك منها شيئًا هي جواهرٌ بين أيدينا، جواهر نشتري بها جنة عرضها السماوات والأرض، جواهر نبني بها قصور الآخرة، ونغرس بها نخل الجنة، ونثقّل بها الموازين، ونرفع بها الدرجات.
تأمّل!
سبحان الله العظيم وبحمده، تغرس لك نخلة في الجنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كنز من كنوزها.
وسبحان الله، تملأ الميزان.
والحمد لله، تملأ ما بين السماء والأرض.
فيا لكرم الله! ويا لبخس تجارتنا معه!
فيا أيها الغافل! لا تغرّنك الدنيا فإنها خادعة، ولا تُلهِكَ الأماني فإنها غرور، والموت أقرب من الشهيق والزفير، وما بينك وبين القبر إلا نفَس.
فاجعلها لله، تكن لك..
واجعلها لغيره، تكن عليك..
وما عند الله خيرٌ وأبقى..
مطالع النور ومهاوي الظلمة بين لَحْظة ولفظة
أمران جليلان وخطران داهمان متى سَلِم منهما العبد، فُسِح له طريق الهداية، وانفرجت له أبواب التوفيق، وتيسّر له سلوك سبيل الاستقامة والرشاد:
أولهما: النظر إلى الحرام؛ فإنه سهم من سهام إبليس، يجرحُ البصيرة، ويُكدّر على القلب صفاءه، ويخبو به نور التقوى في النفس، ويُذهبُ لذة الطاعة من الروح، فلا يبقى للعبد حلاوة مناجاة، ولا برد يقين، ولا أُنس في الخلوة.
إن غض البصر عبادة منسية، ومفتاح عظيم لأبواب الخير؛ به تزكو النفس، ويُحفظ الإيمان، وتُغلق منافذ الشيطان، فكم من نظرة أورثت وحشة وحسرات، وكم من لحظة أودت بصاحبها إلى ظلمات، وإنك حين تغض بصرك، كأنما تشتري نور قلبك بثمن عفّتك، وتفوز بصفاء سريرتك، وتعلو على أهواء نفسك. وغض البصر ليس كفًّا للطرف فحسب، بل هو غضٌّ للروح عن الدنايا، وتنقية للوجدان من دَرَن الشهوة، وهو حراسة للعقل وحماية للقلب، ومفتاح لسكينة النفس، وصفائها وطهارتها،
وصدق الله: ﴿قُل لِلمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِن أَبصارِهِم وَيَحفَظوا فُروجَهُم ذلِكَ أَزكى لَهُم﴾.
وثانيهما: الغيبة والخوض في أعراض الناس، فاللسان الذي ينطلق بما لا يرضي الله، يحطُّ من قدر صاحبه، وينزع من قلبه بركة الطاعة، ويُخفّف من ميزان إيمانه. فـ " كفُّ اللسان وضبطه وحبسه أصل كل خير" كما قال ابن رجب. واللسان البذيء يُنبئ عن قلب خاوٍ من الإيمان، ضعيف من التقوى، ألا ترى أن رسول الله ﷺ قال: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء". فالكلمة إذا خرجت من فم العبد؛ رسمت ملامح قلبه، فإن كانت طيبة دلّت على طيب معدنه وزكاء قلبه، وإن كانت سيئة فضحت فساد باطنه.
وما أُتِيَ من أُتِيَ من المنتكسين إلا من قلة الورع، وخفة اللسان، والوقيعة في أعراض الناس؛ فذاك دليل هشاشة في التديّن، وضعف في البناء الإيماني، فاحفظ لسانك، تسلم لك أعمالك، ويصلحُ لك شأنك، وتطمئن نفسك. وتمثّل وصية ربّك ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا، يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
وقال ابن عاصم الأنطاكي – كلمة لو كُتِبت بماء الذهب لكانت أهلاً: "إذا طلبت صلاح قلبك، فاستعن عليه بحفظ لسانك".
05:45
视频不可用在 Telegram 中显示
مقطع نافع ومؤثر، عن أثر التسلح بالدعاء والافتقار إلى الله، وعظيم حاجة المسلم له، وبيان أنه طريق الأنبياء، فلا تفوّت سماعه، ففيه بركة وخير.
ولعلّه يكون محفزًا لك للدعاء في آخر ساعة من هذا اليوم ..
IMG_7238.MP468.17 MB
خطبة جمعة عنوانها: أمسك عليك لسانك.
أسأل الله أن ينفع بها
https://khutabaa.net/ar/discussions/%D8%A3%D9%85%D8%B3%D9%83-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%83-%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%83-3
دموع المجاهدة وثمار الذي صدقوا.
من الناس من يسمع أخبار الصالحين في مناجاتهم وركوعهم ودموعهم، فيظن أنهم وُلدوا على هذا النور، أو أن الطريق إلى مدارجهم لا تزيد على بضع خطوات؛ فيهمّ أحدهم بالصعود فيتعب في أول درجة، فيملّ، ثم يرجع القهقرى.
وليس الشأن في أن تُقبل على العبادة لحظة؛ فتفتح لك خزائنها، بل الشأن كل الشأن أن تُجاهد نفسك على بابها، حتى يُؤذَن لك بالدخول، وتكون قرة عين لك.
ومما ينبغي التفطن له؛ العلم بأن مدارج العارفين كانت تسبقها ليالٍ من جهاد النفس، والصبر على العبادة، وأن الأنس الذي تراه على محياهم، كان ثمرة صبرٍ مرٍّ طال أمده، حتى رضيت القلوب عن الله، فرضي الله عنها، فكان الفتح.
أجل، إن كثيرًا من العبادات لا يُؤذن للعبد فيها من أول طرقة، ولا يُفتح له فيها من أول ركعة، ولا تُذلل له من أول مرة، فالله سبحانه يبتلي صدق عبده بتلك الموانع، ويقيس توقه بتلك العقبات؛ فمن صبر وصابر وداوم، وأتى الباب مرة بعد أخرى، وكان له قلب لا يمَلّ، ولا يستعجل الثمرة، فإن لله على مثل هذا فتوحات يسكبها عليه سكبًا، حتى يُذيقه من طيب القرب ولطيف الأنس ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلبه.
ومما يُعرف به صدق الصادق؛ أنه لا ينثني إن تأخّر الفتح، ولا يبرح موضعه إن طال البلاء، بل يثبت كما يثبت الزارع عند زرعه، يعلم أن للغرس موسمًا، وأن للثمر أوانًا، فلا يعجل قبل النضج.
ولقد انقطع عن الطريق كثيرون، لا لأن العوائق صدّتهم، بل لأنهم كانوا يستطيلون الطريق ويستبطئون الوصول، ويظنون أن مراتب السالكين تُنال في أيام معدودات، فلما رأوا لطول الطريق تبِعة، وفي المراقي مشقة، قعدوا وقعدت هممهم. والشأن كما قال ابن القيم: " من استطال الطريق ضعُف مشيه".
وانظر إلى ثابت البناني وحاله في مجاهدة نفسه حيث يقول: “جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذت به عشرين سنة أخرى". ولو أن التلذذ كان من أول مرة، لما كان للجهاد معنى، ولا للصدق برهان.
بيد أن لله في عباده نفحات، فهناك من يفتح لهم من أول الطريق بلا مجاهدة ولا مكابدة يجذبهم إليه جذبًا، يُحبهم فيُقبلون، ويُقذف في قلوبهم النور، فيلزمون العبادة كأنما ولدوا عليها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهؤلاء لا يُقاس عليهم، فإن الفتح هبة ربانية، طريقها سؤال الله ذلك.
عرفتُ رجلاً كان بعيدًا عن العبادة، غريبًا عن المساجد، لا يعرف من أنوار الطاعة شيئًا، ثم هداه الله وأصلحه في ليلة، ففُتح له فتحًا عجيبًا، وانقلب حاله في أيام، فصار كما تقرأ عن السلف في التهجد وطول القنوت والعبادة، حتى كانت خاتمته على الطاعة، وعليه سمتُ الأولياء، رحمَه الله ورفع مقامه.
فالطريق إلى الله طويل، لكنه محفوف بالرحمة. وثق أن الصادق لا يخيب، وأن المجاهدة لا تُرد، وأن من طرق الباب طويلاً فُتح له، ولو بعد حين، فالزم باب ربّك فثمّ الفتح.

