Leblad البلاد

ضمن سياسة ممنهجة اتبعها الاحتـ ـلال منذ أن بدأ عدوانه علي قطاع غزة، استهدف خلال الإبادة أسرى الضفة المبعدين إلى القطاع، حيث استشهد منهم أكثر من 31 أسيرًا من بين 206 أسرى، بينهم 180 أسيرًا أبعدوا في صفقة وفاء الأحرار عام 2011, و26 أسيرًا من مبعدي كنيسة المهد عام 2002.

أكثر من 423 طفلاً وُلدوا واستشهدوا في قطاع غزة منذ أن بدأ الاحتلال عدوانه على القطاع، حتى يونيو الماضي حسبما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وذلك من بين نحو 17,121 طفلاً ارتقوا. من بين الأطفال الـ423 ارتقى توأمان إثنان - أربعة أطفال وُلدوا خلال الحرب في اليوم ذاته، وارتقوا خلال الحرب في اليوم ذاته كذلك: 🔷 محمد محمود صلاح الغز 🔷 عبد الله محمود صلاح الغز 🔶 تقوى محمد بسام الغزا 🔶 سلوى محمد بسام الغزا

ربما لم تخطر على أذهاننا في يوم من أيام أن تحرم من ذوقك، وأن تعيش وفقًا لما تُمليه الحياة عليك، لا وفقًا لما ترغب به أو تحبه وتريده، هذا ببساطة واقع الحال في قطاع غزة، بعدما مارس الاحتـ ـلال كل أشكال الحرمان والمنع والحصار على الغزيين ما يزيد عن 680 يومًا على التوالي. العدس، الفاصولياء البيضاء، الخبيزة، وغيرها الكثير من الأطعمة التي اشتهره بعدم حب الأطفال والشباب لها، لكنها اليوم باتت هي الخيار الوحيد المتوفر، ما أجبرهم على تناولها، وإنا سيموتون جوعًا.. وقس هذا على كل شيء قد يخطر في بالك.

دمرت هذه الحرب المستمرة كل أشكال الحياة في قطاع غزة، أكثر من 223,000 وحدة سكنية دمرها الاحتلال تدميراً كلياً، ونحو 288,000 أسرة فلسطينية أصبحت بلا مأوى، وما تبقى من منازل، يأتي عليها الليل بلا أضواء. كذلك دمر نحو 2,105 محولات توزيع كهرباء هوائية وأرضية بالكامل. الأمر الذي حرم الغزيين من 1.88 مليار كيلو وات ساعة، من الكهرباء طيلة الحرب. تقول بيان أبو طعيمة: كلما نظرت لصور غزة المدمرة يخطر على بالي مقطع فيروز “أطفأت مدينتي قنديلها”، لكن أعواد الثقاب تُرمى.. هم.. أطفأوا قنديلها، دول حقيرة وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل.. أطفأوا المدينة، وأطفأوا قلوبنا

بعد 7 أكتوبر، شكّلت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ما سُمّي بـ "خلية الشرعية"، فريقًا مختصًا بفبركة روايات تمنح غطاءً إعلاميًا لجرائم الجيش في غزة، وعلى رأسها اتهام صحفيين غزيين بالانتماء لحماس لتبرير قتلهم. استهدف جيش الاحتلال مباشرةً الصحفي أنس الشريف، الذي وثّق لعامين الإبادة في غزة، في جريمة تضاف إلى سجل اغتيال نحو 238 صحفيًا منذ 7 أكتوبر. الحقيقة أن إسرائيل قتلت أنس لأنه صحفي، ولذات السبب تمنع دخول الإعلام الدولي لغزة… حتى يبقى العالم أعمى عن الجرائم.

أكثر من 17 ألف طفل شهيد في قطاع غزة حتى يونيو 2025, منهم ما يزيد عن 7 آلاف طفلة شهيدة، قتلهن الاحتـ ـلال دون ذنب يذكر، وشن على من تبقّى على قيد الحياة من أخواتهن حربًّا أخرى متكاملة، بحرمانهن من الغذاء والتعليم والماء والدواء، وحتى بحرمانهن من ذويهنّ. حرب قد تكون مختلفة عن أية حرب أخرى شُنت على فتيات غزة، بين من بلغت خلال الحرب دون ما يعينها على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وبين أفقدتها الحرب عينيها وأطرافها والكثير من حواسها، وبين من فقدت أمها وأبيها فظلت وحدها لا تدري كيف تكمل المسير.

ضريح الصحفي الشهيد أنس الشريف، أنس الذي رافقنا صوته، ورافقتنا نداءاته أيامًا طويلة دون جدوى… هنا يرقد أنس ابن مخيم جباليا وغزة وفلسطين، المنادي بصوت الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى.

61,944 شهيدًا في القطاع منذ بدء الإبادة قبل 22 شهرًا، وتصريح يرثّق أن ذلك هدف من أهداف الاحتـ ـلال الطويلة، في جملة قد تكون الأخطر مثلما قال الدكتور مهند مصطفى، نكبات متتالية على الفلسطينيين يتعمد الاحتـلال ارتكابها وهندستها في كل أنحاء البلاد، منذ النكبة الأولى عام 1948.

في مقابلة بتاريخ 12 أغسطس 2025، كشف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن ما يصفه بمهمته "التاريخية والروحية" لإقامة ما يسمى "إسرائيل الكبرى" أو "إسرائيل الكاملة"، في إشارة صريحة إلى مشروع توسعي يتجاوز حدود الدولة المعترف بها دولياً. هذه التصريحات تتقاطع مع مواقف سابقة لوزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي عرض خرائط تضم أراضي من فلسطين والأردن، وأشار في تصريح له بأن مساحة "إسرائيل" يجب أن تشمل سوريا ولبنان والعراق ومصر وحتى السعودية. التوجه التوسعي يجد صداه أيضاً في تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي شدد على أن إسرائيل "واحدة من أصغر دول العالم" ويجب أن تتوسع.

360 من الطواقم الصحية تعرضوا للاعتقـ ـال منذ بداية حرب الإبـ ـادة الجماعية على قطاع غزة، من بينهم ما يزال حتى الآن 24 طبيبًا خلف قضبان السجون، جلهم أطباء من ذوي الخبرة والتخصصات المهمة والتي حُرم المرضى والجرحى منها. الاحتـ.ـلال يمارس بحق هذه القامات العلمية أعتى أشكال الحرمان والتعـ ـذيب الجسدي والنفسي، فهذا الدكتور حسام أبو صفية يصرح قبل أيام لمحاميته أنه فقد نحو 40 كيلو من وزنه بسبب سياسات القمع الممارسة بحقه في السجون.. وحاله حال كل الأطباء المعتقلين.

في أغنيته «هزتني نسمات الليالي» كغيرها من أغانيه وأناشيده، تبنّى المنشد الشهيد حمزة أبو قنيص الحزن الفلسطيني على عمومه، وحاول كعادته ترك رسالة للعالم: أين أنتم من فلسطين وشهدائها؟ بعد 36 عامًا، ارتقى المنشد حمزة قنيص مقبلًا غير مدبر بقـ ـصف للاحتـ ـلال استهدف حيّ الصفطاوي شمال مدينة غزة.. درس في الجامعة الإسلامية في غزة، وتزوج في مدينته، وظل فيها، ولم يقبل النزوح إلى جنوب القطاع مع زوجته وعائلته، هذا الصوت الذي عرفه الغزيون طويلًا.. هل يُنسى؟

تتفاقم أزمة القوّة البشرية في جيش الاحتــلال يومًا بعد يوم، ومؤخرًا أعلن وجود انخفاض كبير في استعداد الضبّاط الدائمين للبقاء في الجيش، إلى جانب أزمة امتناع جنود الاحتياط عن القتال، وسط عنوان كبير يُختصر بمعضلة الهروب من القتال، وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت فإن من بين الأسباب التي تدفع إلى كل ذلك: الحروب الطويلة المُنهكة، وتضرّر حياة الجنود الأسرية، والتعويض غير المناسب في ضوء ساعات عمل الطويلة.. وعلى ذلكو لجأ الاحتــلال للعديد من الآليات.

في غزة، الحطب تحوّل من وسيلة بديلة للطهي إلى كابوس جديد يثقل كاهل العائلات. منذ بداية الحرب ارتفع سعره بنسبة 1500%، فالكيلو الواحد الذي كان يباع بنصف شيكل بات اليوم بـ 8 شواكل. تحتاج العائلة الواحدة إلى نحو 20 شيكل يوميًا من الحطب، أي ما يعادل راتبًا شهريًا كاملًا فقط لتأمين نار الطهي. حتى الولاعة لم تسلم، إذ قفز سعرها من نصف شيكل إلى 25 شيكل! ومع نفاد الحطب، لجأ الناس إلى بدائل قاتلة مثل حرق البلاستيك والإسفنج والقمامة الورقية، ما تسبب بأزمات صدرية وتشوهات للأجنة وتدهور صحي خطير. إنها سياسة خنق ممنهجة تدفع الغزيين لاختيار ما بين الجوع أو استنشاق السموم.

ما يُسمى بـ "رياضيات التجويع" لم تكن يومًا مجرد توصيف، بل سياسة ممنهجة. فمنذ عام 2006، كشفت وثائق وسجلات هيئة منسق أنشطة جيش الاحتــــلال "كوغات" أنّ الاحتلال حدّد للفرد في غزة الحدّ الأدنى بـ 2,279 سعرة حرارية يوميًا، أي ما يعادل 1.83 كغ من الطعام، ليُبقي الناس على "الحد الفاصل بين الحياة والموت". اليوم، تطالب المنظمات الإنسانية بالحد الأدنى الكافي وهو 1 كغ يوميًا للفرد، أي ما يعادل 62 ألف طن شهريًا لـ 2.1 مليون إنسان. لكن بين مارس ويونيو 2025، لم يسمح الاحتلال إلا بدخول 56 ألف طن فقط، بينما كانت الحاجة الفعلية 248 ألف طن. أي أن ما دخل لا يتجاوز 25% من المطلوب. إنّه ليس عجزًا في الإمدادات، بل استخدام ممنهج للجوع كسلاح حرب.

أكثر 677 يومًا مر على هذه الحرب التي أفقدتنا خيرة الشباب الذين نحبهم، لم نعد نحسب الأيام والأسابيع والأشهر، كل الأيام غدت مثل بعضها، بالمزيد من الفتل والتجويع والتشريد. اليوم الجمعة الأولى دون أنس ومحمد قريقع والخالدي ومؤمن عليوة ومحمد نوفل وإبراهيم ظاهر، اعتدنا أصواتهم كل يوم ينقلون المعاناة والظلم.. لكنها الجمعة 98 للعدوان.

محمد ابن الثلاثة وثلاثون عامًا، رحب الوجه، حزين النظرة، ارتقى ليلحق بأمه التي وجد جثتها في مجمع الشفاء الطبي، من نفس المكان، لحق بها.. محمد الذي عاش يتيمًا بلا إخوة، عاش هادئًا، وعرفناه من وراء الشاشة كذلك.. رحل وخلّف وراءه زوجة وثلاثة أطفال، ليكون شاهدًا جديدًا على أكبر مقتلة شهدها تاريخ الحديث بحق الصحفيين.

في الثالث عشر من مايو ماضي رحل حسن اصليح، صحفيًّا فجريحًا، فشهيدًا، تاركًا خلفه ندبة لا تشفى بمضي الأيام، كما ترك قبله حمزة الدحوح وسامر أبو دقة وإسماعيل الغول، وهاي هي الندبة تمضي اتساعًا، برحيل أنس الشريف ومحمد قريقع وأسماء نكون قد خنّاها إن نسيناها… كلهم يتلقون اليوم شهداء..

أعلنت سعادة السيدة لولوة الخاطر وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي في قطر عن بدء حملة تبرعات لبناء مدرسة تحمل اسم الصحفي الشهيد أنس الشريف.

بحجة تبرير اغتيال الصحفيين الفلسطينيين، تروّج إسرائيل لرواية أنّ لهم "خلفيات أو انتماءات عسكرية" تجعلهم أهدافاً مشروعة. هذا الادعاء الكاذب ينهار أمام حقيقة ماثلة: كبرى وسائل الإعلام الغربية تعجّ بصحفيين إسرائيليين أو مؤيدين لإسرائيل خدموا بأنفسهم في الجيش الإسرائيلي أو في أجهزته الاستخباراتية، أو حتى لهم أبناء وأقارب في الخدمة العسكرية. هؤلاء ليسوا أفراداً عاديين، بل شخصيات نافذة في مؤسسات إعلامية مثل “سي إن إن” و”نيويورك تايمز” و”أكسيوس”، ينقلون الأخبار ويصنعون الرواية، رغم ارتباطاتهم المباشرة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية. إذا كانت الخلفية العسكرية مبرراً للقتل، فلماذا لا يُساءل هؤلاء عن تحيزهم الصارخ؟ بل مشاركتهم المباشرة في العدوان ضد الفلسطينيين؟ ولماذا يصبح الانتماء للجيش مقبولاً حين يكون "إسرائيلياً"؟

قتلوا أنس، لأنه كان الشريف الذي لم يرضَ الضيم لمدينته وأهله هناك، لم يوضَ أن يظلوا مجوعين ومشردين على مرأى العالم المتخاذل.. قتلوا الشريف لأنه أثبت للعالم كذب ادعاءات الاحتـ ـلال المتكررة.