كـلـمَـاتُ .. Kalimat ♡

إننا حين نتأمل الكليتين لا ننظر إلى عضوٍ تشريحيٍّ فحسب، بل نقف أمام سؤالٍ فلسفيٍّ عميق يتخفّى في هيئة لحمٍ وخلايا. عضوان صغيران، لا يلفتان النظر، ولا يثيران الضجيج، ومع ذلك فهما يديران واحدة من أعقد معادلات الوجود داخل الإنسان: معادلة التوازن. فالكلية لا تعمل كآلةٍ صمّاء، وإنما كميزانٍ دقيق، يعرف متى يمسك ومتى يطلق، متى يحتفظ بالماء، ومتى يسمح له بالرحيل، متى يُبقي الملح، ومتى يطرحه، وكأنها تفهم لغة الخلل قبل أن ينطق به الجسد. والعجيب أن هذا كله يجري في صمت، بلا تعليماتٍ منك، ولا وعيٍ منك، ولا قدرةٍ منك على التدخل. وهنا يتهاوى الوهم الكبير: وهم أن الحياة نتاج مصادفة، وأن المادة العمياء يمكنها أن تضبط ميزانًا أدق من ميزان الذهب. فالصدفة لا تعرف معنى الاعتدال، ولا تفهم الحكمة، ولا تتدخل عند الخطر، ولا تُصلح الخطأ حين يقع. أما الكلية، فهي تتدخل، وتصحح، وتعيد الأمور إلى نصابها، وكأنها تنفّذ قانونًا سابقًا على وجودها، ومعرفةً أسبق من مادتها. ولو تأملت لوجدت أن المشكلة ليست في قلة الأدلة، فالدليل يسري في دمك كل لحظة، وإنما المشكلة في الاعتياد؛ ذلك القاتل الصامت للدهشة. لقد اعتاد الإنسان النعمة حتى حسبها حقًا مكتسبًا، واعتاد المعجزة حتى ظنها أمرًا عاديًا. ولو تعطّلت كلية واحدة، لتحوّل هذا “العادي” فجأة إلى سؤالٍ مرعب عن الحياة والموت. وهنا نفهم أن الإيمان ليس قفزةً في الظلام، بل هو استيقاظ العقل حين يبلغ نهاية غروره. فالعلم، حين يُستعمل بصدق، لا ينتهي إلى الإنكار، بل إلى التواضع. وحين يبلغ أقصى مداه، لا يقول: لا خالق، بل يهمس – كما كان يقول أهل البصيرة –: سبحان الذي أتقن كل شيء، ثم هدى.